سعادة الصمود

بقلم: د. مايكل هول
ترجمة: لبنى الشريف

” في حياة أسعد الأشخاص نصيب من التوتر، الأزمات وحتى المآسي. يمكن أن يشعروا بالأسى بل وأن يتأثروا عاطفياً في مثل تلك الظروف مثلك أو مثلي، ولكن يكمن سلاحهم السري في قدرتهم على التوازن والقوة التي يبدونها في تكيفهم لدى مواجهة التحدي”

” إن قمنا بملاحظة الأشخاص السعداء بشكل حقيقي وصادق، سنجد أنهم لا يلبثون راضين في أماكنهم، بل يسعون دوماً لتحريك الأمور فنجدهم يسعون وراء فهم أمور ما، تحقيق إنجازات جديدة، والتحكم في أفكارهم” ( صفحة 64 من كتاب كيفية تحقيق السعادة لـ سونجا ليومبوميرسكي)

في الاقتباس الأول من الكتاب، كيفية تحقيق السعادة، يقدم لنا الكاتب عبارة تبدو للوهلة الأولى غريبة وتحتوي على التناقض: : أسعد الأشخاص….لديهم نصيب من التوتر، والأزمات، والمآسي.” حقا؟ مما يطرح تساؤلاً هل يمكن أن تمر بمأساة ومع ذلك تسعد في حياتك؟ هل يمكن للأزمات والظروف الصعبة أن تحدث في حياتك ومع ذلك تقود حياة راضية وسعيدة؟ في تلك الحالة، فإن تعرضك للوقوع في أزمة ما لا يمثل بالضرورة حكماً بالتعاسة.

وتأتي العبارة التالية لتضفي مزيداً من الدهشة: يكمن سلاحهم السري في قدرتهم على التوازن والقوة التي يبدونها في تأقلمهم وقدرتهم على التكيف لدى مواجهة التحدي.” تبدو هذه العبارة كأنها تضع تعريفاً لما ندعوه “القدرة والمرونة لدى التعامل مع التحديات”.

بشكل ما يتمتع أولئك الأشخاص بتوازن وقوة تمكنهم من التعامل مع التحديات الشخصية التي يتعرضون لها في حياتهم مما يعد سلاحا سريا

وتأتي العبارة الثالثة لتبدي لنا نوعا ما عن كيفية قيامهم بذلك.” فهم لا يلبثون راضين في أماكنهم، بل يسعون دوماً لتحريك الأمور ” فهم أشخاص نشطاء وفاعلين بل إنهم يستبقون الأحداث ويأخذون زمام المبادرة. “فنجدهم يسعون وراء فهم أمور ما، تحقيق إنجازات جديدة، والتحكم في أفكارهم…” في هذا الكتاب الذي يركز على ماهية السعادة وكيفية الوصول إليها- توجد أيضاً بعض أسرار تحقيق المرونة في التغلب على الصعوبات. والسبب وراء ذلك يرجع إلى أن الكاتب يركز على طرق التفكير وأنماطه.
” فكيف تفكر في نفسك وعالمك والآخرين أكثر أهمية لتحقيق سعادتك مقارنة بالنظر بحيادية لظروف حياتك” ( صفحة 88)

وهذا أمر صحيح بالنسبة للتمتع “بالمرونة في التغلب على الصعوبات”. ويعد صحيحاً أيضا بالنسبة للعديد من طرق التفكير الأخرى. فما تفكر به وكيف تفكر بالأمور يلعب دوراً هاماً في تشكيل تجربتك الحياتية. في علم الدلالات اللغوية العصبية، لدينا مقولة: إن تجربتك الحياتية مبنية على المعاني التي تعطيها لتلك التجربة” فلا يبدو الأمر غريباً إذن أن نجد جزءا كبيراً من هذا الكتاب المؤلف حول كيفية تحقيق السعادة يركز على أنماط التفكير التي تشكل متغيرات في تشكيل مفهوم السعادة.

 ولدى دراستها، أثار دهشتي أن الكثير منها يماثل ما يشكل القدرة والمرونة لدى الشخص للقيام والنهوض مجدداً والتغلب على الصعوبات. إليكم بعضاً من تلك الأنماط:

الامتنان: تظهر الأبحاث أن الشخص الذي يميل إلى إبداء الامتنان أقل عرضة للإصابة بالإكتئاب، التوتر، الوحدة، الشعور بالغيرة، والعصابية.
يبدأ الامتنان ” بتعداد النعم”. وتعد هذه طريقة تفكير قائمة على التقدير والتعجب والحمد لكل ما هو قيّم. يمكن للامتنان أن يحيّد أي شعور بالحسد، أو العدائية، أو التوتر، أو الانزعاج مما يفتح المجال للتركيز على الأمور الجيدة.

.

التفاؤل. إنها القدرة على رؤية الجانب الإيجابي من الأمور حيث تمكنك من الاحتفاظ بأحلامك جلية وحية. للقيام بذلك، تخيل أو اكتب أفضل رؤية ممكنة عن نفسك ومستقبلك. قم ببناء جسر من المعاني تعبر من خلاله لمستقبلك.
الحضور. يعد التفكر والتمعن الزائد والهوس من الأنماط التي تقوض وتحد من القدرة على تحقيق السعادة والمرونة في التغلب على الصعوبات. كما يقول ايمرسون: تعامل مع كل يوم على حدا…انجز كل يوم …وغدا يوم آخر”
اللطف. لكي تتعامل بلطف فعليك الإحساس بالتعاطف. وبالعكس إن قمت بالتركيز على الحاق الأذى فستقلل من نوعية الحياة التي تختارها بقلب مظلم.
ابداء العناية والاهتمام. حيث أننا مخلوقات اجتماعية، فيعد التواصل والانتماء للآخرين أمرا حيويا لوصولنا لحالة أسعد إلا أن النسبة لابقاء العلاقة صحية بين الأشخاص 5-1 من تبادل التعبير الإيجابي مقابل كل تعبير سلبي. وحيث أنه لا مفر من وجود اختلافات قد تحدث خلافات، فإن المشكلة لا تكمن في الخلاف بحد ذاته بل في عدم معرفة كيفية إدارة خلاف بناء بحيث يتم تجنب طرق الخلاف السامة التي يصفها جوتمان بالانتقاد ورغبة في التفنيد وإظهار الازدراء ( الاحتقار والاهانة ) ابداء آليات الدفاع وتراشق الاتهامات..الخ

استراتيجيات التأقلم. دوماً ستواجه احباطات أو عراقيل في الحياة من شأنها أن تولد شعوراً بالتوتر والضغط فمن الهام بمكان أن يكون لديك استراتيجيات للتعامل بشكل فعال مع تلك الضغوط. يأتي التأقلم أولاً حيث يمكنك من التركيز على الاستمرار ولكن تلك القدرة على الاستمرار تعد هدفا قصير المدى، الأفضل أن تسعى ليس فقط للتأقلم مع الأمور بل في صياغة قدرتك الفريدة على التعامل مع ما يشكل مصادر للضغوطات والمشاكل وتحويلها لأوجه قوة داخلية.

التسامح. تظهر الأبحاث أن الأشخاص الذي يتسامحون أقل عرضة للإصابة بالإكتئاب، العدائية، التوتر، الشعور بالمرارة، الاستياء، أو العصابية. وأمامهم فرصة أكبر لقيادة حياة أسعد، وأكثر تمتعاً بالصحة، والتناغم والسكينة. ويضرب مانديلا مثالاً حياً في تسامحه مع سجّانه في مقولته بعد مغادرته للسجن ” عندما خرجت من البوابة عرفت إنني إن استمريت في كره أولئك الأشخاص، سأظل سجيناً”

حالة التدفق والانطلاق. قم بممارسة نشاط ما فقط بهدف الاستمتاع به. عش كاملاً في اللحظة الحالية بحيث تستشعر الاستغراق الكلي. فعندما تركز بشكل تام، تفقد إدراكك بنفسك، والأخرين، والوقت، والعالم من حولك. يبدو كل شيء بعيداً حيث يحتويك استغراقك التام في ذلك النشاط. ” للمحافظة على تلك الحالة من التدفق والانطلاق، علينا أن نستمر في اختبار أنفسنا من خلال المزيد من الأنشطة التي تشكل تحدياً أمامنا” كما يقول تشيكزنمهالي

الاستمتاع بطعم الحياة. عش اللحظة واستمتع بكل مظاهر البهجة بها. لا تؤجل ذلك بالتفكير أن الأفضل سيأتي لاحقاً في المستقبل. استمتع الآن. تعامل مع كل تجربة كوقت مميز. التزم بالأهداف. الأهداف هامة. وتكمن أهميتها في الانخراط في نشاط ما يشكل تحديا قيما وذو معنى بالنسبة إليك. فعندما تقوم بذلك، تقود حياة من اختيارك ذات هدف مما يكسبها معان جوهرية بالنسبة لك.

.
يبدو أن الطريق إلى السعادة يماثل الطريق لتحقيق المرونة في التغلب على الصعوبات. فعندما تتبنى أنماط تفكير تجعلك أكثر بهجة وقدرة على الاستمتاع بحياتك، تخلق بداخلك مصدرا للقوة في التغلب والتعامل مع الصعوبات. فماذا لو جربت قررت اليوم تبني طرق تفكير أكثر بهجة!

Unordered & Ordered Lists

Leave a Reply